أقول : اختلف الناس في هذا المقام ، أعني اتصافه تعالى بالحوادث ، فجوّزه الكرامية على الاطلاق ، ومنع منه الاشاعرة والفلاسفة والامامية على الاطلاق ، وأما المعتزلة فقد فصلوا فقالوا : يمتنع قيام الحوادث بذاته اذا كانت ذواتا ، ويجوز اذا كانت صفات متجددة ، ولا يطلقون عليها اسم الحادث كالمريدية والكارهية. وأبو الحسين البصري جوّز قيام الاحكام المتجددة بذاته تعالى كالامور النسبية.
واستدل المصنف على الامتناع مطلقا بوجهين :
الاول : أنه لو قام بذاته شيء من الحوادث للزم تغيره ، واللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة : أن التغير عبارة عن الانتقال من حالة الى أخرى ، فعلى تقدير حدوث ذلك الامر القائم بذاته يحصل في ذاته شيء لم يكن من قبل ، فيحصل الانتقال من حالة الى أخرى ، فقد بانت الملازمة.
وأما بطلان اللازم : فلان التغير مستلزم للانفعال أي التأثر ، وهو محال ، لان المنفعل عن الشيء مستعد لما يحصل له فيه من التأثير ، والا لما حصل له ، والاستعداد يقتضي أن يكون ذلك الشيء له بالقوة ، وذلك من صفات الماديات والله تعالى ليس ماديا ، فلا يكون منفعلا ، فلا يكون متغيرا ، فلا يكون محلا للحوادث.
الثاني : أن كل حادث لا بد له من علة ، فعلة ذلك الحادث القائم بذاته تعالى اما أن يكون هو الله أو غيره ، والقسمان محالان ، أما الاول فلان تأثيره فيه اما على سبيل الايجاب أو الاختيار ، فان كان الاول لزم قدمه ، لقدم موجبه وقد فرض حادثا ، هذا خلف. وان كان الثاني لزم وجوده قبل وجوده ، لان ذلك الحادث يجب أن يكون من صفات الكمال ، لاستحالة اتصافه تعالى بالنقائض وصفات