أصحابنا والمعتزلة ، خلافا للاشاعرة.
وتنقيح مناط الخلاف هنا هو : أنه لما كان عند الاشاعرة أن الافعال في حدّ أنفسها ليست حسنة ولا قبيحة ، بل ذلك متعلق بالشرع ، ذهبوا الى جواز صدور الافعال التي هي قبيحة عند المعتزلة عنه تعالى ، وحينئذ تكون حسنة ، لانه تعالى لا يقبح أفعال نفسه.
قالت المعتزلة : ان استدللنا على قبحها في نفسها فلا يجوز صدورها عنه ، لما يلزم من المحال.
واستدل المصنف على مذهب المعتزلة بما تقريره : ان الصارف عن فعل القبيح موجود ، والداعي مفقود ، وكلما وجد الصارف وانتفى الداعي امتنع الفعل.
أما المقدمة الاولى : فلان الصارف عن فعل القبيح هو العلم بقبحه والغنى عنه ، وقد تقدم بيان كونه تعالى عالما بكل المعلومات التي من جملتها القبائح وغنيا في ذاته وصفاته ، والمستغني عن الشيء العالم بقبحه وبغناه عنه لا يفعله اذا كان حكيما. وأما انتفاء الداعي فلانه أما داعي الحاجة ـ أي داعي الطبع ـ وهو مستحيل عليه تعالى : لما ثبت من كونه غنيا وليس له طبع. وأما داعي الحكمة ـ أي داعي العقل ـ وهو مفقود ، لان القبيح لا حكمة فيه.
وأما المقدمة الثانية : فلان الفعل في حد ذاته ممكن وواقع بالنظر الى علته وكل ممكن مستند الى قادر ، فان عليته انما تتم بواسطة القدرة والداعي ، فاذا وجدا فقد تمت العلية ، وعند تمامها يجب الفعل ، وان لم يوجدا بقي الفعل على امكانه فلا يقع. وأما الاخلال بالواجب فلان الاخلال به قبيح ، فقد بان امتناع صدوره عنه.