فقال أبو الحسن الاشعري : ان معناه أن الله تعالى أجرى العادة أن العبد متى اختار الطاعة أو المعصية فعلها الله تعالى فيه ، وفعل فيه القدرة عليها ، والعبد له الاختيار ، وليس لتلك القدرة في ذلك الفعل أثر ، بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى (١).
وقال القاضي أبو بكر : ذات الفعل من الله ، وكونه طاعة أو معصية أو عبثا من العبد ، وذلك هو مناط التكليف ، وعليه يستحق الثواب أو العقاب ، كلطمة اليتيم فانها تقع تاديبا وتقع ظلما ، فذات اللطمة من الله ، وكونها تأديبا أو ظلما من العبد.
وقال قوم : ان ذلك الكسب غير معلوم.
وقال أبو اسحاق الأسفرائيني : ان الفعل واقع بقدرة الله وقدرة العبد معا.
وذهب أهل العدل الى أن العبد فاعل لافعاله الصادرة عنه ، وأن له قدرة مستقلة في ايقاع الفعل ، واختلفوا : فقال أكثرهم : ان العلم بذلك كسبي. وقال أبو الحسين البصري : أنه ضروري ، واختاره المصنف ، وهو الحق ، ونبه عليه بوجوه :
الاول : أن الضرورة قاضية بالفرق بين حركاتنا الاختيارية ، كالقيام والقعود والاكل وأمثالها. والاضطرارية كحركة النبض ووقوع الانسان من علو مع القاسر ، فانه يتمكن من ترك الاولى دون الثانية ، ولا فارق الا القدرة ، فيكون لنا قدرة ، اذ على تقدير عدمهما لم يقع فرق.
قال : أبو الهذيل : حمار بشر أعقل من بشر ، لان حمار بشر اذا أتيت به الى جدول صغير وضربته فانه يطفره ، واذا أتيت به الى جدول كبير وضربته
__________________
(١) فيلزم الدور ، فلا يختار حتى يكون قادرا على الاختيار ، ولا يكون قادرا على الاختيار حتى يفعل فيه القدرة «منه».