تساوي الطرفين ، أو ترجيح أحدهما على الاخر ، وذلك متعلق القدرة ، وما ذكرتم من الوجوب لا يخرجه عن امكانه الذاتي.
وعن الثالث : أن المختار يرجح أحد مقدوريه على الاخر لا لمرجح ، كالهارب من السبع يعرض له طريقان متساويان ، والجائع يحضره رغيفان متساويان ، ولا ينسد باب اثبات الصانع ، فان المرجح موجود ، وهو الفاعل والواقع بلا مرجح هو تعيين أحد المتساويين دون الاخر ، ولا يلزم من ذلك ترجيح وجود الممكن على عدمه بلا مرجح.
أو نقول : انه يفتقر الى مرجح هو الداعي الى الفعل ، ومع حصوله يجب ، كما قرّره أبو الحسين البصري ، فانه قال : ان القدرة والإرادة من فعل الله تعالى بتوسطهما [يفعل] ، فنسبه الفعل الى القدرة وحدها نسبة الامكان ، وإليها والى الإرادة معا نسبة الوجوب ، ولا ينافي ذلك الاختيار ، لان مرادنا بالاختيار انما هو بالنسبة الى القدرة وحدها.
قوله «ومع ذلك» الى آخره ، لما أجاب عن كل واحد بجواب يختص به من حيث المنع التفصيلي ، شرع يبحث من حيث النقض الاجمالي ، وهو من وجهين :
الاول : أن ما ذكرتموه عائد في حقه تعالى من غير فرق ، أما في الاول فيقال : فعله اما معلوم الوقوع أولا ، والاول واجب ، والثاني ممتنع ، ولا قدرة عليهما وأما في الثاني فهو أن فعله تعالى ممكن ، وكل ممكن حال استواء الداعي محال ، ومع المرجح فالراجح واجب والمرجوح ممتنع.
وأما في الثالث فان ترجيح الباري تعالى لاحد الطرفين اما لمرجح أولا الى آخر الكلام ، فيلزم أن لا يكون له تعالى قدرة واختيار ، وهو باطل بالاجماع ، وهذا الزام لا محيص لهم عنه.