أقول : اختلفوا في العلم بدوام الثواب والعقاب : فقالت المرجئة : انه سمعي وبه قال ابن نوبخت من أصحابنا. وقالت المعتزلة : انه عقلي ، واختاره المحقق الطوسي في تجريده والمصنف ، واستدلوا [عليه] بوجوه :
الاول : أن دوام الثواب والعقاب لطف ، فكل لطف واجب. أما الصغرى فلان المكلف اذا علم دوام ثوابه ازدادت داعيته وتوفرت على ايقاعها وهو ظاهر ، ولا نعني باللطف الا ما حصلت معه زيادة الداعية الى فعل الطاعة. وكذلك اذا علم دوام عقاب معصيته توفرت داعيته الى تركها ، فيكون العلم بالدوام في الصورتين أدخل في اللطيفة. وأما الكبرى فقد تقدمت.
الثاني : أنه كلما كان المدح على الطاعة والذم على المعصية دائمين كان الثواب والعقاب دائمين ، لكن المقدم حق فالتالي مثله. أما بيان حقية المقدم فاجماعية. وأما بيان الشرطية : فلان المدح والذم معلولا الطاعة والمعصية ، وقد بان دوامهما فتكون علتاهما ـ أعني الطاعة والمعصية ـ دائمين ، فتكون المعلولان الآخران دائمين ، لان دوام أحد المعلولين يستلزم دوام الاخر ، فان وجود النهار واضاءة العالم لما كانا معلولا علة واحدة هي طلوع الشمس لزم من وجود أحدهما وجود الاخر.
الثالث : أنه يجب خلوص الثواب والعقاب من شائبة الضد ، وكلما كان كذلك وجب دوامها. أما الصغرى فلان التفضل والعوض جاز أن يكونا دائمين وخالصين من الشوائب ، اذ لا مانع منه ، فلو لم يكن الثواب خاليا عن الشوائب لكان أنقص حالا منهما وهو باطل. أما العقاب فلان خلوصه من الشوائب أدخل في باب الزجر عن المعصية فيكون واجبا. وأما الكبرى فلانها لو لم يدوما لحصل انقطاعهما ، فيحصل الا لم للمطيع والسرور للعاصي ، فلم يكونا خالصين من الشوائب ، وهو باطل لما تقدم.