فقالت لها : سلى الله يعطيكيه ، فقالت : أنا أستحي من الله أن أطلب منه شيئا يؤكل.
وطائفة من الأولياء كانت لهم بدايات متشوشة وأحوال فى الظاهر مختلفة فتداركهم الله تعالى بتوفيق التوبة بعد مدة ، وعاد بهم إلى الورع وأحوال السعادة بعد شدة ، مثل إبراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض وحبيب العجمى والسرى السقطى وبنان الجمال وغيرهم من المشايخ ، فإن هؤلاء حسنت أحوالهم من بعد ، فما زالت خجلة الابتداء مصحوبة لهم ، وحشمة ما سلف عاصمة لهم عن محل الإعجاب ، ولهذا قال بعض المشايخ : من لم يحسن أن يتفتى لم يحسن أن يقرأ ، وهذا أبو بكر الشبلى سيد عصره فى وقته كان حاجب الموفق إلى أن تاب على يد بعض الشيوخ.
والفضيل بن عياض كان يقطع الطريق بين مرو وتبوك إلى أن تاب لما سمع قارئا يقرأ : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) (الحديد : ١٦) وكان قد قصد إلى دار ليفجر بامرأة ، ثم إنه وقعت التوبة فى قلبه فكف عما قصد ، فرأى رفقة تزلوا فى موضع فقال لهم : ما بالكم لا ترحلون؟ فقالوا : نخشى الفضيل ، فإنه على الطريق ، فقال : لا عليكم ، فأنا الفضيل ، وقد تبت وأنتم فى أمان.
وقد ذكر عن بعضهم أنه قال : كنت فى بعض الطريق فظهرت اللصوص وخاف الناس ، وكان معى صرة دنانير ، فرأيت على البعد رجلا يصلى فقصدته فاستودعته الصرة ، فقال : لا تودعنها فإنى رئيس اللصوص ، فقلت : ولم لم تغلبنى عليها؟ قال : لا أخون الوديعة ، فقلت : وما بالك تقطع الطريق وتصلى النافلة؟ قال : يا أخى ، أدع للصلح موضعا ، قال : فرأيته بعد ذلك بمدة متعلقا بأستار الكعبة يدعو ويتضرع ، وقد زال عما كان عليه ، فقلت : ما حالك؟ فقال : قد حان أوان الصلح.