المنع من ذلك ، وهو حقيقة الظلم ، فمن صرف قلبه عن الأغيار وشغل فكره بالرسوم والآثار ووسم نفسه بخدمة الأمثال ، ومحق عمره بعمارة الأطلال فقد وضع الشيء فى غير موضعه ، ومن وصف معبوده بما لا يليق بحقه من نعوت خلقه ، مما يتضمن نقصا أو يشبه شخصا أو يوجب حدوثا أو يقتضي قصورا فقد وضع الشيء فى غير موضعه.
(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)
والقول فى معانيها
وإلى هذه الجملة أشار سيد هذه الطائفة (١) أبو القاسم الجنيد ، رحمهالله تعالى ، لما سئل عن التوحيد فقال : إفراد القديم عن الحدوث ، وإذا أخذ بهذا التأويل ففيه إشارة إلى تسلية أصحاب المحن إذا استولى عليهم أهل الفتن وتنبيه لهم على السكون إلى أن تنقضى عنهم أوقات البلا ، فإن سيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه قيل له : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) محاماة عن الدين وصبرا على ما كان يقاسيه من المشركين.
وفى بعض الكتب أن نبيّا شكا إلى الله تعالى من امرأة سلطت على أهل عصرها فأوحى الله تعالى إليه فر من أمامها حتى تنقضى أيامها.
ونكتة أخرى : وهو أن الأعداء لما لم يعرفوا قدر ما سمعوه وقابلوه بالتكذيب أمرصلىاللهعليهوسلم بأن لا يسمعهم فى بعض الأحوال تنبيها على أنهم لا يستحقون ذلك ، وإن كان قد قال تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (الحجر : ٩٤).
وأخرى : وهو أنه قال : إذا وقفت على بساط القربة مع المنتخبين للصحبة فاستر المناجاة مع الحبيب خوفا من اطلاع الرقيب.
__________________
(١) جموع السادة المتصوفين.