فصل : حقيقة التواضع :
واعلم أن حقيقة التواضع هو قبول الحق ممن قاله ، والتكبر هو جحد الحق ، قال الله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) (١).
فصل : ما تفعل إذا قيل لك : اتق الله :
حكى أن خالد بن مقول قال له رجل : اتق الله فألصق خده بالتراب وقال : حبا وكرامة.
وروى أن بلالا شكا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا ذر وقال له : عيرنى بالسواد (٢) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبى ذر : «ما علمت أنه بقى فى قلبك شرف الجاهلية»؟! فوضع أبو ذر خده على الأرض وحلف أن يضع بلال قدمه على خده.
وحكى عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : ما سررت فى الإسلام إلا مرات معدودة كنت فى مركب يوما وكان فيه رجل يحكى الحكايات المضحكة فضحكت منه الناس ، وكان يقول : رأيت وقتا فى معركة الترك علجا ففعلت به هكذا ، وكان يأخذ بلحيتى ويمر يديه على حلقى ، والناس يضحكون منه ، ولم يكن فى ذلك المركب عنده أحد أصغر ولا أحقر منى فسررت بذلك.
ويوما آخر كنت جالسا فجاء إنسان فبال عليّ ، ويوما آخر كنت جالسا وجاء إنسان فصفعنى من غير سبب.
وإنما كان سروره بأن قلبه لم يستوحش منهم ولم يحرد عليهم ولم يتغير لسوء ما قابلوه به ، لا أنه سر بقبيح أفعالهم ، وفى الخبر : «كم من أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره».
__________________
(١) البقرة : ٢٠٦.
(٢) قال له : يا ابن السوداء.