فصل : رزق الأرواح والسرائر :
واعلم أنه يرزق الأرواح والسرائر كما يرزق الأشباح والظواهر ، وأرزاق القلوب الكشوفات والمعانى ، كما أن أرزاق الأجساد الغذاء والأحاظى.
يحكى أن رجلا كان يخدم سهل بن عبد الله فأصابه الجوع فقال : يا أستاذ القوت ، فقال سهل : الله الحى الّذي لا يموت ، ثم قال له بعد مدة : يا أستاذ لا بد من القوت فقال سهل : لا بد من الله الحى الّذي لا يموت.
وقيل لبعضهم : أى شيء القوت؟ فقال : ذكر الحى الّذي لا يموت ، وفى معناه أنشدوا :
إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها |
|
فكم تلبث النفس التى أنت قوتها |
والحق سبحانه وتعالى يقبض أرزاق الظواهر ويضيقها على قوم ويبسطها على قوم آخرين ، كذلك سنته فى أرزاق القلوب يرددها بين قبض وبسط ، وقبول ورد ، وإنما يعطيهم إذا شاء ما شاء كما شاء ، لا بعلة استحقاق ، ولا بسبب إيجاب.
قيل : إن موسى عليه الصلاة والسلام قال يوما فى مناجاته : إلهى إنى جائع ، فأوحى الله إليه : إنى أعلم ذلك ، فقال : أطعمنى ، فقال سبحانه : إلى أن أريد.
وكما أن للظواهر طعاما وشرابا كذلك للسرائر طعام وشراب ، قال أهل الإشارة فى قوله تعالى : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (١) لم يشر إلى طعام معهود ولا إلى شراب مألوف ، وإنما أشار إلى طعام المعرفة وشراب المحبة.
__________________
(١) الشعراء : ٧٩.