فصل : ومن آداب من علمه تعالى عليما :
ومن آدابه أن لا يعارض مخلوقا فيما يحتاج إليه من مطالبة اكتفاء بعلمه ، فإنه إن ساكن بقلبه مخلوقا عوقب فى الوقت ، إن كان له عند الله قدر.
يحكى عن إبراهيم الخواص أنه قال : كنت فى البادية ، وكنت قد تهت ، فسمعت نباح كلب من بعيد ، فأصغيت إليه ، وأخذت نحو ذلك الصوت ، وقلت فى نفسى : أمشى نحو نباحه لأوافى العمارة ، فإنه لا يكون إلا فى عمارة ، فلم ألبث أن صفعنى شخص من ورائى ، ولم أره ، فوقع عليّ البكاء ، وقلت : إلهى ، هذا جزاء من توكل عليك ، قال : فهتف بى هاتف : ما دمت فى خفارتنا كنت عزيزا ، وإنما صفعت لأنك دخلت فى خفارة كلب ، وهذا رأس من صفعك ، فنظرت فإذا برأس مقطوع بين يدى.
ويحكى عن الخواص أيضا أنه قال : كنت بائعا فى الطريق فوافيت الرى ، فخطر ببالى أن لى بها معارف ، فإذا دخلتها أضافونى وأطعمونى ، قال : فلما دخلت البلد رأيت منكرا احتجت أن آمر فيه بالمعروف ، فأمرت بالمعروف فأخذونى وضربونى ، فقلت فى نفسى : من أين أصابنى هذا الضرب على جوعى؟ فنوديت فى سرى : إنما أصابك ذلك لأنك سكنت إلى معارفك بقلبك وقلت : إنهم يطعموننى إذا دخلت البلد.
ويحكى عن بعضهم أنه قال : كنت جائعا فقلت لبعض معارفى : إنى جائع ، فلم يفتح لى من قبله بشيء ، فمضيت فوجدت درهما ملقى على الطريق ، فرفعته فإذا فيه مكتوب : أما كان الله عالما بجوعك حتى قلت لضعيف : إنى جائع.