وينبغى لمن يريد أن يتحقق بتسبيحه أيضا أن ينزه مطعمه من الحرام والشهوات ، فإنه قد ورد الخبر بأن لحما نبت من حرام فالنار أولى به.
وقال بعض الحكماء : عجبت لمن يترك الحلال مخافة الداء ، ولا يترك الحرام مخافة النار.
وحكى عن بعضهم أنه قال : رأيت شابا عليه عباءة وبيده ركوة فقال لى : إنى إنسان أقصد الورع فلا آكل إلا ما ألقاه الناس ، فربما أجد قشرة شيء سبقنى إليه النمل فألقيه ولا أتناوله ، فهل عليّ من ذلك شيء؟ قال : فقلت فى نفسى : بقى على وجه الأرض من يتورع فى مثل هذا؟ كالمنكر له غير المصدق بمقامه ، قال : فنظرت فإذا الرجل واقف على أرض من فضة صافية ، فقال لى : الغيبة حرام ، وغاب عن بصرى.
ومعنى الحكاية أنه لما ترك ما حجب الخلق عن الله أكرمه الله بنور الإشراق ، حتى نطق عما خطر بقلبه من الإنكار ، ثم أخفاه الله تعالى عنه بشؤم الاعتراض ، وهكذا سنة الله فى أوليائه أن يسترهم عمن لا يبلغ مرتبتهم.
فصل
تقديس الأعمال عن الرياء
وينبغى له أن يقدس أعماله عن الرياء والمصانعات والتزين للمخلوقين بإظهار الطاعات ، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال ، إلا ما كان بوصف الإخلاص لله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة : ٥).
وحكى عن بعضهم عن سهل بن عبد الله أنه قال : هل لك أن تحضر الجمعة؟ قال: فقلت : وكيف وبيننا وبين الجامع مسيرة يوم وليلة ، قال فأخذ بيدى ، فلم يكن إلا قليلا حتى رأيت الجامع ، فدخلنا وصلينا ، فلما خرجنا نظر إلى الناس يجرون فقال : أهل لا إله إلا الله كثير والمخلصون منهم قليل.
وفى الخبر : «أخلص العمل يكفك القليل منه».