فصل : قهر نفوس العابدين وقلوب العارفين وأرواح المحبين :
واعلم أن الله سبحانه قهر نفوس العابدين (١) وقهر قلوب العارفين وقهر أرواح المحبين ، فنفس العابد مقهورة بخوف عقوبته ، وقلب العارف مقهور بسطوة قربته ، وروح المحب مقهورة بكشف حقيقته ، فالعابد بلا نفس ، لاستيلاء سلطان أفعاله عليه ، والعارف بلا قلب لاستيلاء سلطان إقبال عليه ، والمحب بلا روح لاستيلاء كشف جلاله وجماله عليه.
* * *
فصل : الفرق بين العابد والعارف :
واعلم أنه لا بقاء للمنى والرغبات مع شهود الجنان ببصر الإيمان ، ولا بقاء للهوى والشبهات مع شهود النيران ببصر البرهان ، ولا بقاء للحظوظ والقلاقات مع شهود السلطان ببصر العرفان ، فمتى أراد العابد فرجة عن قيد مجاهدته قهرته سطوة العتاب فردته إلى بذل المهجة ، ومتى أراد العارف فرجة عن مطالبات القربة قهرته بوادر الهيبة فردته إلى توديع المهجة ، فشتان بين عبد مقهور بأفعاله ، وبين عبد مقهور بجلاله وجماله.
* * *
__________________
ـ بين جنبيه ، فإذا قهر شهوته وغضبه ، وحرصه ووهمه ، وخياله ، فقد قهر أعداءه ، ولم يبق لأحد سبيل عليه ، إذ غاية أعدائه أن يسعوا فى هلاك بدنه ، وذلك إحياء لروحه ، فإن من مات وقت الحياة الجسمانية عاش عند الموت الجسمانى ، كما قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران : ١٦٩).
(١) وذلك بحبسها على طاعته ، وقهر قلوب الطالبين فآنسها بلطف مشاهدته.