فصل : فوض أمورك إلى الجبار :
وإذا علم أن الجبار بمعنى مصلح الأمور ، فوض أموره إلبه ، وتوكل فى جميع أحواله عليه ، إن كان خيرا علم أنه مسديه ومتحفه ، وإن كان ضرا علم أنه ينجيه منه ويكشفه ، لم يحتشم من اختلال أحواله وقلّة ماله ، وكثرة عياله ، وضعف احتياله ، ثقة بلطفه وأفضاله ، واستكانة إلى جوده وكريم نواله وحسن أفعاله.
وقد حكى أن رجلا كان كثير العيال ، وأنه ضاقت عليه أسباب المعيشة فهمّ أن يهرب عنهم ، فاستقبله شخص فقال له : هل تأجرنى على أن تسقى طيرا لى فى القفص فترويه وتأخذ منى دينارا ، فاسترخص الرجل ذلك ، وأجابه إليه ، فدله على بئر وقال : تستقى من هذا البئر وتروى هذا الطائر ، فلم يزل الرجل يسقى الطائر طول نهاره إلى المساء ، والطائر لم يرو ، فلما أمسى ضاق صدر الرجل ، فقال له ذلك الشخص : إنى لست ببشر ، وإنما أنا ملك بعثنى الله إليك ليريك ضعفك ، إنك لم تقدر أن تروى طائرا ، فكيف ترزق عيالك! ارجع إليهم وانتظر الرزق من الله تعالى ، فإنه هو الرزاق لا أنت.
وحكى عن بعض الصالحين أنه سئل عن سبب توبته فقال : إنى كنت رجلا دهقانا (الدهقان يطلق على رئيس القرية) فاجتمع عليّ أشغال ليلة من الليالى ، كنت أحتاج إلى أن أسقى زرعا لى ، وكنت حملت حنطة إلى الطاحونة فوثب حمارى وضل ، فقلت : إن اشتغلت بطلب الحمار فات سقى الزرع ، وإن اشتغلت بالسقى ضاع الطحين والحمار ، وكان ذلك ليلة الجمعة ، وبين قريتى وبين الجامع مسافة بعيدة ، فقلت : أترك هذه الأمور كلها وأمضى إلى القصبة (١)
__________________
(١) القصبة من البلاد مدينتها.