باب
فى معنى اسمه تعالى
٤٦ ـ الحكيم (١)
جل جلاله
قد مضى القول فى معنى الحكيم فى وصفه ، واستقامة لفظ الحكمة فى معنى اسمه الحكم بما يغنى عن إعادته ، ومن حكمته فى عباده تخصيصه قوما بحكم السعادة من غير استحقاق ولا سبب ، بل تعلق العلم القديم بإسعاده وسبق الحكم الأزلى بإيجاده ، وخص قوما بطرده وإبعاده ، ووضع قدره بين عباده من غير جرم سلف ، ولا ذنب اقترف ، بل حقت الكلمة عليه بشقاوته ونفذت المشيئة بحجب قلبه وقساوته ، قال الله تعالى فى وصفه: (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) (٢) وقال تعالى فى قصة بلعام بن باعورا : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) (٣) ثم قال فى قصته بعد ما أتاح له من كرامته وما أوهم فى
__________________
(١) الحكيم : ذو الحكمة ، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ، وأجل الأشياء هو الله الّذي لا يعرف كنه معرفته غيره ، فهو الحكيم الحق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم ، إذ أجل العلوم هو العلم الأزلى الدائم الّذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليه خفاء وشبهة ، ولا يتصف بذلك إلا علم الله تعالى ، وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها : حكيم ، وكمال ذلك أيضا ليس إلا لله تعالى ، فهو الحكيم الحق.
(٢) المائدة : ٤١.
(٣) الأعراف : ١٧٦ ، وانظر قصته فى كتاب (من قصص القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف) للإمام ابن كثير ـ تحقيق طه عبد الرءوف سعد.