وحسبك تأييدا لهذه الجملة قصة آدم عليهالسلام وهو أن الله سبحانه قاته ، وصان عن المحن أوقاته ، وكفاه كل شغل ولقاه كل يسر ، ورفع له مناره وأسجد له أبراره وأسكنه جواره وأجزل له مباره ، وقال جل وعلا : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١) فلما نسى وعده ومد إلى شهواته يده لقى ما لقى.
روى مجاهد أن الله سبحانه أوحى إلى الملائكة أن أخرجوا آدم وحواء من جوارى فإنهما عصيانى ، قال : وناداه ربه : أى جار كنت لك يا آدم؟ فقال : يا سيدى ومولاى ، نعم الجار كنت ، قال : فاخرجا من جوارى ، قال : فرفع جبريل التاج عن رأسه وحل ميكائيل الإكليل من جبينه وسقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته ، فالتفت إلى حواء وقال : هذا أول شؤم المعصية ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، فأخذ آدم يفر فتعلق غصن من أغصان الشجرة بشعره وسمع نداء الحق جل جلاله : أمنّا تفر يا آدم؟ فقال: بل أستحيي منك يا رب ، ثم قال : إلهى إن تبت تعيدنى إلى الجنة؟ فقال : نعم ، فذلك معنى قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (٢).
فصل : اختلاف الأقوات :
فإذا اختلفت الأقوات فمن عباده من جعل قوت نفسه توفيق العبادات ، وقوت قلبه تحقيق المعارف والمكاشفات ، وقوت روحه إدامة المشاهدات والمؤانسات.
__________________
(١) طه : ١١٨ ، ١١٩.
(٢) البقرة : ٣٧.