وأنشدوا :
وإنى عفيف عن مطاعم جمة |
|
إذا زين الفحشاء للنفس جوعها |
وقيل : إن فتحا الموصلى كان قاعدا فسئل عمن يتابع الشهوات كيف صفته؟ وكان بقربه صبيان ، مع أحدهما خبز بلا إدام ، ومع الآخر خبز مع كامخ (١) ، فقال الّذي لم يكن له كامخ لصاحبه : أطعمنى مما معك ، فقال : بشرط أن تكون كلبى ، فقال له صاحبه : نعم ، فجعل خيطا فى رقبته وجعل يجره كما يقاد الكلب ، فقال فتح للسائل : أما إنه لو رضى بخبزه ولم يطمع فى كامخه لم يصر كلبا لصاحبه ، وقيل : لو لا الأطماع لما اندقت الأعناق.
فصل : عز العبد وذله منه تعالى :
وإذا أراد الله إعزاز عبد قربه من بساطه وأهّله لمناجاته ، وإذا أراد الله إذلال عبد ربطه بشهواته وحال بينه وبين قربته ومخاطباته.
وأوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام : يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عنى محجوبة.
وحكى عن بعضهم أنه دخل على تلميذ له فقدم التلميذ إليه خبزا قفارا ولم يكن له إدام ، فأخذ يتمنى بقلبه أن ليت كان له إدام يقدمه إلى أستاذه ، فقام الأستاذ وقال : تعال معى ، فحمله إلى باب السجن ، فرأى الناس يضرب واحد ويقطع آخر ويعذب كل واحد بنوع من العذاب ، فقال الأستاذ للتلميذ : ترى هؤلاء هم الذين لم يصبروا على الخبز القفار.
وقيل إن رجلا خرج من السجن وفى رجله قيد ويسأل الناس ، فقال لإنسان : أعطنى كسرة ، فقال له : لو قنعت بالكسرة لما وضع القيد فى رجلك.
__________________
(١) الكامخ : ما يؤتدم به ، أى يؤكل به الخبز.