وقيل : قال لإبليس : إنى سلطتك عليهم عن جهاتهم الأربع ، فما سلطتك عليهم من فوقهم ولا من تحتهم ، بل أمطر عليهم من فوقهم الرحمة ، وأخسف من تحتهم ما اجترحوه من معاصيهم ، ذلك جزاء من كان الله تعالى فى أزله قبل أن كان لنفسه بلاحق فعله.
فصل : فائدة زائدة فى معانى تلك الأسماء :
ويقال : الأول بوده لك بديا ، إذ لو لا أنه بدأك بسابق وده لما أخلصت له فى عقده وعهده ، فأين كنت حيث كان لك؟ ومتى كانت رحمة أبيك وشفقة أمك وذويك وقد قسم لك الإيمان ورضى لك الإسلام ووسمك بالصلاح ، فقال عز من قال : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١) جاء فى التفسير أنهم أمة محمدصلىاللهعليهوسلم ، آثرك فى سابق القدم ، وحكم لك بصدق القدم ، رباك بفنون النعم ، وعصمك عن سجود الصنم ، واختارك على جميع الأمم ، وردّاك برداء الإيمان ، وتلقاك بجميل الإحسان ، ورقاك إلى درجة الرضوان ، وحرسك من الشرك والبدع ، وألقى فى قلبك حسن الرجاء والطمع ، وإن لم يلبسك رداء الوفاء والورع فلم يؤيسك من لطفه بنهاية الفزع ، وإن الّذي هداك فى الابتداء لهو الّذي يكفيك فى الانتهاء.
يقال : إن العبد يبتهل إلى الله تعالى فى الاعتذار والحق سبحانه وتعالى يقول له : «عبدى لو لم أقبل عذرك لما وفقتك للعذر» وإن من فكر فى صنوف الضلال ، وكثرة طرق المحال ، وشدة أغاليط الناس فى البدع والأهواء وما تشيع به كل قوم من مختلفى النحل والآراء ، ثم فكر فى ضعفه ونقصان عقله وكثرة تحيره فى الأمور ، وشدة جهله وتناقض تدبيره فى أحواله وشدة حاجته
__________________
(١) الأنبياء : ١٠٥.