بحسن تعريفه ، إذ لولاه ولو لا فضله ولو لا ما بدأك به من إحسانه لما عرفته ، وفى معناه أنشدوا :
سقيا لمعهدك الّذي لو لم يكن |
|
ما كان قلبى للصبابة معهدا |
وهو الآخر بإكمال لطفه عما كان أولا بابتداء عرفه ، وهو الظاهر بما يفيض عليك من العطايا والنعماء ، والباطن بما يدفع عنك من فنون البلاء وصنوف الأذى ، وقيل الظاهر لقوم فلذلك وجدوه ، والباطن عن قوم فلذلك جحدوه ، وقيل : ظاهر للقلوب بحكم البرهان ، باطن عن العيون بحق العيان وقيل : الأول بالهداية والآخر بالرعاية والظاهر بالكفاية والباطن بالعناية ، وقيل : الأول بالتحقيق والآخر بالتوفيق ، والظاهر بالتأييد والباطن بالتسديد ، وقيل : الأول بالإسعاد والآخر بالإمداد ، والظاهر بالإيجاد والباطن بالإرشاد ، وقيل : الأول بأن عرفك والآخر بأن شرفك ، والظاهر بما أسعفك والباطن بما لاطفك.
ويحكى عن أبى يزيد أنه قال : إن لم أعرف ما أولى وما أخرى ، وما ظاهر حالى وباطن أمرى ، فأنا لا أعلم من الأول والآخر والظاهر والباطن.
وقيل : لما قال إبليس : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) (١) أى لآتينهم من بين أيديهم لأشككهم فى أمر آخرتهم ، ومن خلفهم لأزين لهم أحوال الدنيا ، وعن أيمانهم لأنسينهم أمر الآخرة ، وعن شمائلهم لأزين الباطل فى أعينهم ، قال الله تعالى : «أنا الأول أحفظ عليهم دينهم ، وأنا الآخر أختم لهم بالسعادة ، والظاهر أفيض عليهم النعم ، والباطن أسبغ عليهم المنن ، وأكفيهم أشغالهم وأصون بالسعادة مالهم وأصلح أعمالهم وأصدق آمالهم.
__________________
(١) الأعراف : ١٧.