فصل : من شرط الاعتقاد الجزم بأن الله تعالى
خالق كل شيء وأثر ذلك :
ومن شرط الاعتقاد أن يتحقق العبد أنه سبحانه خالق الأعيان والآثار والجواهر والأعراض لا يخرج حادث عن أن يكون مخلوقا له فيقتضى هذا تبرأ العبد عن حوله وقوته ورجوعه إلى الله تعالى بصدق الاستعانة ودوام الاستكانة فى سكونه وحركاته ، فإن من صحت بالله استعانته وجب من الله تعالى معونته.
ومن آداب من عرف أنه الخالق أن يمعن النظر فى إتقان خلقه لتلوح لقلبه دلائل حكمته فى صنعه ، فيعلم أنه خلق من نطفة بشرا ركب أعضاءه ورتب أجزاءه (١).
وقسم تلك القطرة فجعل بعضها مخا وجعل بعضها عظما وبعضها عروقا وبعضها أعصابا وبعضها شحما وبعضها لحما وبعضها جلدا وبعضها شعرا ، ثم ركب كل عضو على ترتيب يخالف صاحبه ، وخص كل جزء بتركيب لا يشبه صاحبه : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٢) قال الله سبحانه : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (٣) ثم إنه يقسم الطعام الّذي يأكله والشراب الّذي يتناوله على هذه الأجزاء ، ويوصله إلى هذه الأعضاء ، فيجعل لكل عضو مما يتناوله نصيبا مقدرا.
فسبحان من يعلم هذا الّذي يخلقه كيف يخلقه.
__________________
(١) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
(٢) المؤمنون : ١٤.
(٣) لقمان : ١٣.