فصل : قهر العباد بالموت :
واعلم أن الله تعالى قهر جميع عباده بالموت الذي ليس لأحد عنه محيد ، لم ينج منه نبى مرسل ولا صفى مفضل : ولا ينجو منه ملك مقرب ، ضاقت عند ذلك صولة المخلوقين وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين ، ويقال : إن الله تعالى يذيق ملك الموت طعم الموت فيقول عند الفزع : وعزتك لو علمت أن طعم الموت يكون مثل هذا ما قبضت روح أحد ، وناهيك من قهره للعباد أنه يقبض أرواح جميع المخلوقين ، ثم يقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيرد على نفسه : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١) فأين سلطان الجبابرة عند ذلك؟ وأين ولاية الأكاسرة فيما هنالك؟ وأين الأنبياء والمرسلون؟ وأين الملائكة المقربون؟ وأين السفرة الكاتبون؟ وأين آدم وذريته؟ وأين أهل الجحد والإلحاد؟ وأين أهل التوحيد والزهاد؟ زهقت النفوس وبليت الأرواح ، وبقى الّذي لم يزل ولا يزال.
وفى بعض الحكايات أن بعض خلفاء بنى العباس كان له غلام صاحب جيش له ، وأنه تملك خمسة آلاف غلام ، فقربت وفاة هذا الخليفة فأحضر أركان الدولة لأخذ البيعة لبعض أولاده ، وكان هذا صاحب الجيش قائما على رأسه ، وكانوا على بهو ، فنظر هذا الخليفة إليه فخاف صاحب الجيش أنه نظر سخطا فرجع القهقرى ، فسقط من ذاك البهو واندقت عنقه من هيبة نظر الخليفة ، فتوفى الخليفة فى ذلك الوقت والساعة ، فوضعوه فى بيت وتشاغلوا عن دفنه بأخذ البيعة لولى عهده ، فلما رجعوا إليه وجدوا الفأرة قد فقأت عينه التى نظر بها إلى ذلك الغلام.
فسبحان من قهر عباده بما شاء من خلقه.
__________________
(١) غافر : ١٦.