فصل : كيف يكون البسط والقبض :
فإذا كاشف الحق سبحانه عبدا بنعت جماله بسطه ، وإذا كاشفه بوصف جلاله قبضه ، فالقبض يوجب إيحاشه والبسط يوجب إيناسه ، واعلم أنه يرد العبد إلى أحوال بشريته فيقبضه حتى لا يطيق رده ويأخذه مرة عن نعوته فيجد لتحمل ما يرد عليه قوة وطاقة (١).
يحكى عن أبى عثمان الحيرى أنه كان عند أبى حفص أستاذه فمد يده إلى زبيب ، فأخذ أبو حفص على حلقه واسترده منه ، فلما سكن أبو حفص قال له أبو عثمان : يا أستاذ أنا أعلم أنه ليس للدنيا عندك حظ فكيف ضايقتنى فى زبيبة؟ فقال أبو حفص : من ذا يثق بقلب لا يملكه صاحبه.
ويحكى عن بعضهم أنه قال : كنت مع الخواص فى سفر فنزلنا تحت شجرة فجاء أسد فربض بقربنا ، ففزعت فزعا شديدا وعلوت الشجرة وقعدت على غصن إلى الصباح ، من خوف الأسد ، ونام الخواص ولم يحفل به ، فلما كان الليلة الثانية نزلنا فى مسجد فنام الخواص فوقع على وجهه بقة فضج ،
__________________
(١) القابض الباسط من العباد من ألهم بدائع الحكم ، وأوتى جوامع الكلم ، فتارة يبسط قلوب العباد بما يذكرهم من آلاء الله ونعمائه ، وتارة يقبضها بما ينذرهم به من جلال الله وكبريائه وفنون عذابه وبلائه وانتقامه من أعدائه ، كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قبض قلوب الصحابة عن الحرص على العبادة ، حيث ذكر لهم أن الله تعالى يقول لآدم يوم القيامة : ابعث بعث النار ، فيقول : كم؟ من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فانكسرت قلوبهم حتى فتروا عن العبادة ، فلما أصبح ورآهم على ما هم عليه من القبض والفتور روّح قلوبهم وبسطهم ، فذكر أنهم فى سائر الأمم قبلهم كشامة سوداء فى ثور أبيض.