فصل : خلق الله الإنسان على صورة لم يشاركه فيها غيره :
وقد قال تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (١) لم يقل لشيء من المخلوقات أنه أحسن صورته إلا للإنسان ، تخصيصا له من بين المخلوقين ، وهكذا قال فى آية أخرى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٢) وهذا أيضا مما لا يشاركه فيه غيره ، وقد ورد فى القصص والآثار أن الله تعالى خلق لجبريل ستمائة جناح كلها مرصعة بالياقوت والدر والجلاجل الذهب محشوة بالمسك ، لكل جلجل صوت لا يشبه الآخر ، وأن إسرافيل إذا أخذ فى التسبيح عطل على الملائكة تسبيحهم بحسن صوته وطيب نغمته ، وأن نور العرش لو بدا لصار نور الشمس بالإضافة إليه كنور السراج بالإضافة إلى نور الشمس ، إلى غير هذا من أوصاف المخلوقات.
ثم إنه سبحانه لم يقل لشيء منها أحسن صورته ولا قال الشيء إنى خلقته فى أحسن تقويم إلا لهذا الشخص المخلوق من سلالة من طين ثم دع هذا الّذي هو عائد إلى الخلقة وانظر إلى قوله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٣) هل قال هذا لملك مقرب أو مخلوق على جمال الصورة مركب؟ كلا ، إن هذا لأولاد آدم خاصة خصوصية ، ولهم بها على أمثالهم مزية ، فضلا من الله ونعمة ، وإحسانا بدأهم به ومنة عليهم ورحمة.
__________________
(١) غافر : ٦٤.
(٢) التين : ٤.
(٣) المائدة : ٥٤.