فصل
بين البدايات والنهايات
وثمّ من كان من الناس فى بداية أمره صاحب جهد وعنا ، وجد وشقا ومعاملات طويلة ، ومنازلات كثيرة ، يقطعون الطريق منزلا بعد منزل ، ومنهلا بعد منهل ، كما قال قائلهم :
ما زلت أنزل من ودادك منزلا |
|
تتحير الألباب دون نزوله |
إلى أن يلوح لهم علم الوجود ، وتتبين لهم تباشير الوصول ، فيستريح القلب من تعب الطلب وكد الثقلة ، وإن طولب بأضعاف ما كان مطالبا به قبله من أعباء القربة ، فتطلع الشموس ، وتحسن النفوس ، ويسطع علم الإصباح ، وتلمع أنوار الفلاح كما قال قائلهم :
فلما استبان الصبح أدرج ضوءه |
|
بأسفاره أنوار ضوء الكواكب |
وهذا الشبلى قال : طلبت العلوم إلى أن طلعت الشمس فقلت : أريد فقه الله ، فقالوا : لسنا نعرف ما تقول ، يشير إلى هذه الجملة التى ذكرتها.
ومن الناس من يكون موفقا فى بدايته مرزوقا من غير كثير جد ولا كبير سعى وجد ، روح وصلته ، فالأول مريد والثانى مراد ، لكن هذا الوصف قل ما يدوم ، وما أسرع العين إلى هذه الحالة ، وأنشد بعضهم :
عين أصابتك إن العين صائبة |
|
والعين تسرع أحيانا إلى الحسن |