وقلما ترى محبا إلا وهو يندب أطلالا ، ويبكى أحوالا ، ويشكو نوى وارتحالا.
وقد حكى عن بعضهم أنه قال : كنت عند الجريرى فجاء رجل وقال : كنت على بساط الأنس ففتح عليّ باب من البسط فزللت زلة فحجبت عن مكانى ، فكيف لى بالسبيل إليه ، دلنى على الوصول إلى ما كنت عليه ، قال : فبكى أبو محمد الجريرى وقال : الكل فى قهر هذه الخطة ، لكن أنشدك أبياتا تجد فيها جوابك ، إن شاء الله تعالى ، ثم أنشأ يقول :
قف بالديار فهذه آثارهم |
|
تبكى الأحبة حسرة وتشوقا |
كم قد وقفت بربعها مستخبرا |
|
عن أهلها أو صادقا أو مشفقا |
فأجابنى داعى الهوى لى مسرعا |
|
فارقت من تهوى فعز الملتقى |
وحكى عن بعضهم أنه قال : كنت مع الجنيد فسمع مغنيا يغنى :
منازل كنت تهواها وتألفها |
|
أيام كنت على الأيام منصورا |
فبكى الجنيد وقال : ما أطيب الألفة والمؤانسة وأوحش مقامات المخالفة ، لا أزال أحن إلى بدء إرادتى وجدة سعيى وركوبى الأهوال طمعا فى الوصال ، فها أنا ذا فى أوقات الفترة أتأسف على الأيام الماضية.