فرأى مملوكا يبكى فسأله عن حاله فقال : إن مولاى دفع إلى درهمين لأشترى له شيئا فسقطا منى ، فدفع إليه عطاء الدرهمين ومضى يصلى إلى قرب المساء ، ينتظر شيئا يفتح له فلم يفتح له بشيء ، فقعد على حانوت صديق له نشار وذكر له حاله ، وكان الرجل فقيرا فقال : خذ من هذه النشارة شيئا لعلكم تحتاجون إليها تسجرون بها التنور ، إذ ليس لى شيء أواسيك به ، فأخذ ذلك فى جرابه ورجع إلى بيته ، وفتح الباب وطرح الجراب فى الدار ومضى إلى المسجد ، حتى صلى العشاء الأخيرة ومضى صدر من الليل ، رجاء أن يكون أهله قد ناموا لئلا يخاصموه ، فلما دخل الدار رآهم يخبزون الخبز فقال : من أين لكم الدقيق؟ قالوا : من الّذي حملته فى الجراب ، ولا تشترى لنا الدقيق إلا من عند هذا الرجل.
فصل : الله سبحانه هو الكافى عبيده :
وربما يجتهد الرجل فى تحصيل شيء لبعض الأولياء فلا يتفق ذلك ثم يكفى الله تعالى ذلك من وجه آخر ليعرف أنه تولى أمور أوليائه بنفسه ، ولا يكل ذلك إلى غيره ليعلم أنه لا يذل أولياءه.
حكى عن الخواص أنه قال : كنت فى مسجد فرأيت فقيرا ساكنا ثلاثة أيام لم يتحرك ، لم يطعم ولم يشرب ، وكنت أرقبه وأصبر معه ، قال : فعجبت منه فتقدمت إليه وقلت له : ما تشتهى؟ فقال : خبزا حارا ومصلية ، قال : فخرجت وتكلفت طول نهارى كى أحصّل ما قال فلم يتفق ، قال : فعدت إلى المسجد فأغلقت الباب ، فلما كان بعد زمان من الليل دق علينا الباب ، ففتحت الباب فإذا أنا بإنسان معه خبز حار ومصلية ، فسألته عن السبب فقال : اشتهاها عليّ صبيانى فتخاصمنا وحلفنا أن لا يأكل هذا إلا أهل المسجد الفلانى ، قال : فقلت : إلهى ، إذا كنت تريد أن تطعمه فلم عنيتنى طول نهارى.