فصل
كيف تعظم ربك
وتعظيم العبد لربه على حسب كماله ومعرفته ، ولو كنت تعرف قدره لما كنت تترك أمره ، ولو تحققت اطلاعه عليك ، وقربه منك ، وسماعه لخطابك ، ورؤيته لأحوالك ، لما جعلته أهون الرائين إليك ، ولكن يستخفون من الناس ولا يستخفون الله وهو معهم ، وليس العجب من إخوة يوسف حيث باعوه بثمن بخس دراهم معدودة ، وإنما العجب ممن باع نصيبه من ربه بحظوظ هى فى الحقيقة مفقودة ، وإن كانت لذات ساعات بل لحظات موجودة إلا أنهم لو عرفوا قدر يوسف لما باعوه بثمن بخس ، ولكنهم وقعوا على ما صنعوا يوم وقفوا بين يديه فى مقام الخجلة ، وخروا له سجدا بدلا من التمكن على بساط الوصلة ، قال الله سبحانه : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (يوسف : ١٠٠).
وهذا جزاء من لم يعرف قدر نسيبه (١) ، فما ظنك بجزاء من لم يعرف قدر حبيبه ، وقد حكى أن المهلب بن أبى صفرة مر يوما فى موكبه فطرق سمعه أن رجلا قال : ترون هذا لا يساوى أكثر من خمسمائة درهم ، فلما رجع المهلب إلى منزله بعث رجلا يعرف ذلك الرجل ، وبعث إليه معه خمسمائة درهم وقال : قل له هذه قيمتنا التى قومتنا بها ، ولو زدت زدناك ، فخجل الرجل من صنعه ، قال الله سبحانه : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) فمن رضى عنا بدنياه عجلنا له فيما هواه وأوصلنا إليه
__________________
(١) أى قريبه فى النسب كالأخ والأب.