فصل : بين جمال الخلق وحسن الخلق :
واعلم أن حسن التصوير وإن كان فى ظاهر الخلق فإن حقيقة ذلك أتم فى باب الخلق ، فإن الله تعالى أحسن خلق الأكثرين ، وقليل من حسن خلقه ، وإنما يمتاز العوام من البهائم بتسوية الخلق ، ويمتاز الخواص من العوام بتصفية الخلق ، وكما أن الآدمى يفارق البهائم بتركيب القامة وترتيب الأعضاء فالخواص تباين العامة بحسن الخلق وخلوص الصفاء ، ولم يمن الله سبحانه على رسوله بشيء كما منّ عليه بحسن خلقه ، ألا ترى كيف أثنى عليه بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (١) ، والإنسان مستور بخلقه بين أمثاله ، مشهور بخلقه عن أشكاله.
يحكى عن يحيى بن معاذ أنه قال : أنا واحد من الناس إذا سكتّ ، واحد فيهم إذا نطقت.
هكذا يحسن المرء أن يكون واحدا من الناس من حيث الصورة والخلق ، واحدا فيهم من حيث الخلق ، فسبحان من ركب من قطرة واحدة نسمة ، وأوجد فيها بكمال حكمته وشمول قدرته صورة ، ثم كما لا تشبه صورة صورة لم يشبه خلق خلقا.
ويحكى أن بعض الأمراء سأل ندماه عن شر الأشياء فقال بعضهم : المرأة السوء ، وقال بعضهم : الجار السوء ، وقال بعضهم : الخلق السوء ، فتواضعوا أن يتحاكموا إلى أول من يلقونه إذا خرجوا من البلد ، فخرجوا من البلد فاستقبلهم سوادى (٢) معه حمار عليه جرار من خزف ، فأرادوا أن يمتحنوا
__________________
(١) القلم : ٤.
(٢) ريفى فلاح.