ما لا أعرف ، فقلت له : من أين أنت؟ فقال : من مدينة شمساط ، كنت فى عز ورفعة فطالبتنى نفسى بالعزلة فخرجت ، وقد أشرفت على الموت ، فسألت الله تعالى أن يقيض لى وليا من أوليائه ، وأرجو أنك هو ، فقلت : ألك والدان؟ قال : نعم ، وإخوة وأخوات ، فقلت : هل اشتقت إليهم أو إلى ذكرهم؟ فقال : لا ، إلا اليوم أردت أن أشم ريحهم ، فطافت بى السباع والبهائم فبكين معى وحملت إلى هذه الرياحين ، فقال : فبينا أنا معه على تلك الحالة يرق له قلبى إذا بحية أقبلت وفى فمها طاقة نرجس كبيرة ، فقالت : دع شرك عنه ، فإن الله يغار على أوليائه ، قال : فغشى عليّ فما أفقت حتى خرجت نفسه ، ثم وقع عليّ ثبات فانتبهت وأنا على الجادة (١) ، قال : فدخلت مدينة شمساط بعد ما حججت فاستقبلتنى امرأة بيدها ركوة ، فما رأيت أشبه بالشاب منها ، فلما رأتنى قالت : يا أبا إسحاق ، كيف رأيت الشاب؟ فإنى انتظرتك منذ ثلاث ، فذكرت لها القصة إلى أن قلت : قال : أردت أن أشمهم ، فصاحت وقالت : أولا بلغ الشم؟ وخرجت نفسها ، فخرج أتراب لها عليهن المرقعات والفوط وتكفلن أمرها وتولين دفنها فانصرفت عنها.
من قال إن لفظ الله مشتق من أله إذا تحير والرد عليه :
قول آخر : ومنه ، من قال : إن معنى الله من أله إذا تحير ، وهذا أيضا لا يصح من طريق التحديد وإن صح من طريق المعنى ، على معنى أنه تحار العقول فى جلال سلطان الله تعالى ، وذلك من أوصاف التعظيم ، وأن الّذي يرى مخلوقا فيدهش فى رؤيته ويتحير فيما يأخذ عنه من مشاهدته ، وهو مخلوق مثله ذو نقص ، فحقيق به أن يتحير لو حصلت له ذرة من كمال المعرفة.
__________________
(١) الطريق الواضح.