فصل : ما خص به الله تعالى الأغنياء والفقراء :
واعلم أن الله سبحانه خص الأغنياء بوجود الأرزاق ، وخص الفقراء بشهود الرزاق ، وأن من سعد بوجود الرزاق ما ضره ما فاته من وجود الأرزاق ، ومن عرف أنه هو الرزاق رجع إليه فيما يسنح له من جليل خطب ودقيق شغل ، لأنه علم أنه لا شريك له فى رزقه كما لا شريك له فى خلقه.
وقيل : إن موسى ، عليهالسلام ، قال يوما فى مناجاته : إنه لتعرض لى الحاجة الصغيرة أحيانا أفأسألها منك أم أطلبها من غيرك؟ فأوحى الله تعالى إليه لا تسل غيرى وسلنى حتى ملح عجينك وعلف شاتك.
وسمعت الشيخ أبا على يقول : من علامات المعرفة أن لا تسأل حوائجك ، قلّت أو كثرت ، إلا من الله تعالى ، مثل موسى ، اشتاق إلى الرؤية فقال : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١) واحتاج مرة الى رغيف ، فقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢) طلب القليل والكثير من الله.
ويحكى عن حماد بن مسلمة أنه قال : كان فى جوارى امرأة أرملة لها أيتام ، وكانت ليلة ذات مطر ، فسمعت صوتها تقول : يا رفيق ارفق ، قال : فخطر ببالى أنها أصابتها فاقة ، فصبرت حتى احتبس المطر فحملت معى عشرة دنانير ودققت عليها الباب ، فقالت : حماد بن مسلمة ، فقلت : نعم حماد ، كيف الحال؟ فقالت : خير وعافية ، احتبس المطر ودفى الصبيان ، فقلت : خذى هذه الدنانير وأصلحى بها بعض شأنك ، قالت : فصاحت بنية لها خماسية (٣) : لا نريد يا حماد
__________________
(١) سورة الأعراف الآية : ١٤٣.
(٢) سورة القصص الآية : ٢٤.
(٣) إما سنها خمسة أعوام أو طولها خمسة أشبار.