فيكتفون عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم فى حقائق المقرب باستيلاء ذكر الله على أسرارهم وانمحائهم عن شواهدهم فضلا عن إحساسهم بمن سواه ، وكان الإمام أبو بكر بن فورك رضى الله عنه يقول : «هو» حرفان : هاء وواو ، فالهاء تخرج من أقصى الحلق ، وهو آخر المخارج ، والواو تخرج من الشفة ، وهو أول المخارج ، فكأنه يشير إلى ابتداء كل حادث منه ، وانتهاء كل حادث إليه ، وليس له ابتداء ولا انتهاء ، وهو معنى قوله سبحانه : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (١) فقوله : «هو الأول» : إخبار عن قدمه ، وقوله «الآخر» : إخبار عن استحالة عدمه ، وهو الأول بإحسانه إليك بديا ، والآخر بإتاحته لك وإدامته عليك لطفا أبديا ، فكل خير لك به نظامه وعليه تمامه ، قال الله سبحانه : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (٢) وقد حكى عن بعضهم أنه قال : رأيت بعض الوالهين فقلت : ما اسمك؟ فقال : هو ، قلت : من أنت؟ فقال : هو قلت : من أين جئت؟ فقال : هو ، فقلت : من تعنى بقولك هو؟ فقال : هو ، فما سألته عن شيء إلا قال : هو ، فقلت : لعلك تريد الله ، قال : فصاح وخرجت روحه.
الله كاشف كل شيء بأسمائه تعالى :
وقال أهل الإشارة : إن الله تعالى كاشف الأسرار بقوله : هو ، وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء ، وقيل كاشف المحبين بقوله : هو ، وكاشف المتيمين بقوله : الله ، وكاشف العلماء بقوله أحد ، وكاشف العقلاء بقوله الصمد ، وكاشف العوام بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وقيل : كاشف الخواص بإلاهيته ، وكاشف خاصة الخاصة بهويته ، وكاشف العوام بأفعاله الحاصلة بقدرته.
__________________
(١) الحديد : ٣.
(٢) الأنعام : ١٥٤.