فإن تذكرت الأيام الماضية والتأسف على ما سلف من الأوقات الصافية صفة الأكثرين من هذه الطائفة ، إذ قل كثير منهم إلا وله من هذه القصة حصة ، وهذا سيد هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد يقول : لا أزال أحن إلى بدء إرادتى وحدة سعيى وركوبى للأهوال طمعا فى الوصال ، وها أنا فى أوقاتى أبكى على أيامى الماضية ، ثم أنشد يقول :
منازل كنت تهواها وتألفها |
|
أيام كنت على الأيام منصورا |
قال الله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) (١) واعجبا للقلوب التى منيت بالبعاد بعد الوصلة ، وأضلتها سحائب الغيبة بعد أنس القربة ، كيف لا تنقطع أسفا ولا تتبدد حسرة ولهفا ، إن هذا لعظيم من المحنة وشديد من الوقعة.
فصل : ما يحصيه تعالى على العبد :
وقد يحصى الحق سبحانه على العبد أوقات غيبته ، حتى إنه لو قصر فى الحضور أو جنح إلى الفترة عاتبه بدقائق الإشارة بما لو لم يسرع فى الأوبة لأدار على رأسه رحى المحنة وأقام عليه قيامة المعاتبة ، فإن الأحباب يسامحون فى كل شيء إلا الغيبة.
يحكى أن شيخا نظيفا حسن الشارة رئى معه حدث يضرب حر وجهه بنعله ، فقيل: ألا تستحى من ضربك هذا الشيخ؟ فقال الحدث : هذا الشيخ يدعى أنه يهوانى ، ومنذ ثلاث ما رآنى.
__________________
(١) إبراهيم : ٥.