ذلك لطفا جميلا ، وإذا منع العطاء عن أوليائه كان ذلك أيضا فضلا جزيلا ، وإذا لم يمنع الخير عن أعدائه كان ذلك فى الحال احتجاجا عليهم واستدراجا ، وإذا منعهم الخير فى الآخرة كان عقوبة وإذلالا.
فصل : لا يقع فى ملكه تعالى إلا ما أراده جل جلاله :
حكى أن موسى ، عليهالسلام قال فى مناجاته : إلهى إنى جائع ، فأوحى الله إليه إنى لأعلم ذلك يا موسى ، قال : فأطعمنى ، قال : حتى أريد.
ويحكى عن ابن المنكدر أنه قال : قلت ليلة فى الطواف : اللهم اعصمنى ، وأقسمت على الله طويلا ، فرأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى : أنت الّذي قلت : اعصمنى ، فقلت : نعم ، فقال : إنه لا يفعل ، فقلت : لم؟ فقال : لأنه يريد أن يعصى حتى يغفر ، وربما يكون فى منعه لبعض عباده منع قلبه عما يضره بأن لا يخلق له إرادة ذلك ، فيكون رفقا به ، قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) (١) وأنه سبحانه يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولكنه لا يحمى قلب أحد عن المخالفات إلا وهو من خواص أوليائه ، وقد يمنع التمنى والشهوات من نفوس العوام ويمنع الإرادات والاختيارات عن قلوب الخواص ، ويمنع الشبهة عن القلوب والبدع عن العقائد والمخالفات فى الأوقات والزلل عن النفوس من أجل النعم التى يخص بها عباده المقربين ويكرم به أولياءه المنتخبين جعلنا الله من جملتهم وحشرنا فى زمرتهم.
__________________
(١) الأنفال : ٢٤.