وإغناء الله تعالى لعباده على قسمين : منهم من يغنيه بتنمية أمواله ، ومنهم من يغنيه بتصفية أحواله ، وهذا هو الغنى الحقيقى.
سمعت بعض المشايخ ببغداد قال : جاء رجل ببغداد إلى الجنيد فعرض عليه نفسه وماله وسأله أن يباسطه فيما يسنح له من حوائجه ، فقال له : لعلك تحتاج إلى ما معك ، فقال : لا ، فإنى رجل موسر ، ولى صامت وعقار وضياع ، فقال : أتريد غيره وتستزيده إلى ما معك؟ فقال : نعم ، فأخرج خرقة فيها كسوة فحلها وناوله إياه ، وقال له : أضفها إلى ما معك ، فإنى لست أحتاج إليها وأنت تحتاج إلى الزيادة ، وصاحب الحال أبدا يجود على صاحب المال ، وصاحب المال عيال على صاحب الحال ، وصاحب المال يشفق وصاحب الحال ينفق ويتخلق مع الخلق بالهمة ، والخلق إلى همة صاحب الحال أحوج منهم إلى نعمة صاحب المال.
يحكى أن أبا العباس الفقيه التبان ، وكان موسرا عاد أبا بشر الخياط ، وكان شيخا كبيرا فقال : إن لى ثوبا عرضته على كثير من الخياطين ، وأردت أن يقطفوا لى منه ثوبا لنفسى فقالوا : لا يتم لك منه ثوب ، فقدر أنت لعله يجيء ببركتك منه ثوب واسع ، فقدره أبو بشر فوجده لا يجيء منه ثوب واسع كما أراد ، فقال : يجيء إن شاء الله تعالى كما تريد ، وحمل الثوب إلى حانوته واشترى من ماله قطعة توافق ذلك الثوب وخاطه كما أراد وحمله إليه فسر به أبو العباس التبان ، فقيل لأبى بشر فى ذلك : إن جود الفقير مع الغنى أتم من جود الغنى مع الفقير.
وأما المانع فى وصفه جل جلاله فيكون بمعنى منع البلاء عن أوليائه ويكون بمعنى منع العطاء عمن شاء من أوليائه وأعدائه ، فإذا منع البلاء عن أوليائه كان