فصل
من حق الله تعالى على العباد
ولما كان المعبود سبحانه لا مثل له حق للعابدين أن لا يذروا مقدورا فيه إلا بذلوه ، ولا يغادروا ميسورا فى طلبه إلا تحملوه ، ولا يحق بذل المهج إلا فى طلب الأعزة ، فحق للدموع أن تتقطر على فوات قربته ، كما حق للقلوب أن تتعطر بنسيم محبته ، وكما حق للأرواح أن تنفطر من خوف فرقته ، وأنشدوا :
سهر العيون لغير وجهك باطل |
|
وبكاؤهن لغير هجرك ضائع |
ولغيره :
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه |
|
وإن بات من ليلى على اليأس طاويا |
(فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) لمن تدخر مجهودك ، إذا لم تطلب معبودك ، هل تعرف أحدا يستحق ما يستحقه ، أو يوجد ما يخلفه ، إن دعوته أجابك ، وإن أطعته أثابك ، وإن تركته أمهلك ، وإن رجعت إليه واصلك ، وإن عرفته أحبك ، وبغير شفيع قربك ، وبلطفه كاشفك ، وبفضله لاطفك ، هل تعلم له سميّا ، لا إله إلا الله ، تقدس عن الأمثال ، وتعالى عن الأشكال ، وهو الكبير المتعال.