فصل
فضل الله على أهل التوحيد
ولقد أعظم الله المنة على أهل التوحيد وأجزل النعمة على ذوى التحقيق حيث أعتق أسرارهم من رق عبودية ما له مثل ، والعبادة لما له شكل ، فهو الّذي اصطفاك فى القدم ، وعصمك عن سجود الصنم ، وإن لم يكن لك فى العبودية صدق قدم ، فأرجو أنك لا تحرم وجود الكرم.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) تنفى التشبيه
فإن قيل : كيف دلت الآية على نفى التشبيه ، وقد أثبتت المثل بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
فالجواب : أن الكاف صلة فى قول بعضهم ، ومعناه : ليس مثله شيء ، والكاف تزاد فى كلامهم على وجه الصلة كقوله القائل :
وصاليات ككما يؤثفين
وقيل : المثل صلة ، ومعناه : ليس كهو شيء ، وقيل : مثل الشيء يذكر والمراد به نفسه ، كقول القائل : ليس هذا كلام مثلك ، يعنى نفسه.
وقيل : إن التشبيه يكون بأحد شيئين : إما بالكاف وإما بالمثل ، فجمع بين حرفى التشبيه ونفى بهما عن نفسه التشبيه ، فكأنه قال : ليس مثله شيء وليس كهو شيء ، وقد قيل هذا غاية نفى التشبيه ، إذ لو كان له مثل لكان كمثله شيء وهو نفسه ، فلما قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) دل على أنه ليس له مثل ، وعليه دل سبحانه بقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل : ١٧) أفمن