فصل : من ألطاف الله تعالى على عبده الّذي يحفظ سمعه وبصره :
ومن ألطاف الله سبحانه بعباده الذين يحفظون له سمعهم وبصرهم أن يكفيهم مئونة أنفسهم ويصونهم فى أحوالهم ، فتكون أسماعهم مصونة عن سماع كل لغو ، وأبصارهم محفوظة عن شهود كل كبيرة ولهو.
روى فى الخبر أن الله تعالى يقول : «ما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم ، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى يحبنى وأحبه ، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ، فبى يسمع وبى يرى» وهذا هو محل الحفظ ووصف التخصيص فى العناية.
روى عن سهل بن عبد الله أنه قال : مذ كذا سنة وأنا أخاطب الحق سبحانه والناس يتوهمون أنى أكلمهم ، وفى معناه أنشدوا :
وظنونى مدحتهم قديما |
|
وأنت بما مدحتهم مرادى |
وهذا هو صفة الجمع الّذي أشار إليه القوم أن لا يكون العبد لنفسه بنفسه بل يكون لربه بربه ، وإذا علم أن مولاه يسمع ما يقول ويرى ما يختلف به من الأحوال فإنه يكتفى بسمعه وبصره عن انتقامه وانتصاره ، فإن نصرة الحق سبحانه أتم له من نصرته لنفسه ، قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) (١) ثم انظر بما ذا سلاه وكيف خفف عنه تحمل أثقال بلواهم بما شغلهم به فأمره به حيث قال عز ذكره : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٢) أى اتصف أنت بمدحنا
__________________
(١) الحجر : ٩٧.
(٢) الحجر : ٩٨ ، ٩٩.