الذين هم أهل الاستدلال بالفعل على الفاعل أكثر ما يجرى على لسانهم البارى ، والبارى هو الخالق ، فكذلك الغالب على لسان هؤلاء من أسمائه تعالى الحق.
سمعت الدقاق يقول : إن الله تعالى تعرّف إلى العامة بأفعاله فقال عز ذكره : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) وتعرف إلى الخواص بصفاته فقال عز من قائل : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) (٢) وتعرف إلى خاصة الخاصة بحقيقة حقه وذاته فقال تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) (٣).
فصل : حق الحق أحق :
ومن عرف أنه ذو الحق أثر حقه على حظه وحق الحق أحق ، وعلامة من أثر على حظه حقه أن يسخر له خلقه ويحقق له ظنه.
يحكى عن بعض الصالحين أنه قال : كان ابتداء توبتى أنه كان تاجرا بزازا ، فدخل السوق خادم من دار الخليفة يطلب ثيابا لهم ، فعرض هذا الرجل الثياب على الخادم ، فبينما هو فى ذلك إذ أذن المؤذن ، فترك هذا الرجل الخادم واشتغل بالصلاة ، فحرد الخادم وقال : احمل ثيابك ، وحمل الثياب من حانوت آخر إلى دار الخليفة فلم ترتض ، ورجع الخادم إلى حانوت هذا الرجل شاء أم أبى ، وحمل ثيابه وارتضوها واشتروا منه بربح كثير وافر ، فلما أمسى الرجل رأى فى المنام كأن قائلا يقول له : آثرت الصلاة على تجارتك ، فلا جرم قدمنا
__________________
(١) الأعراف : ١٨٥.
(٢) يونس : ١٦.
(٣) الأنعام : ٩١.