باب
فى معنى اسمه تعالى
٧٩ ـ المنتقم (١)
جل جلاله
المنتقم اسم من أسمائه تعالى ، ورد به الخبر ، والانتقام افتعال من النقمة ، يقال : نقم ينقم إذا كره منه الشيء غاية الكراهة ، والانتقام غاية العقوبة على الشيء الّذي يكرهه ، قال الله تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا) (٢) أى ما كرهوا منهم ، وقال تعالى : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) (٣) أى تكرهون ، وانتقام الله تعالى عقوبة للعصاة على ما كره منهم ، وليس كراهيته ككراهة الخلق من نفور النفس ولحوق المشقة ، وإنما معناه ذمه لما كرهه وذم فاعله والحكم بعقوبته ، والله تعالى ينتقم من عباده بعد طول الإعذار والإنذار وكثرة الإمهال وسابق الحكم ، فإذا أبى العبد إلا إصرارا وعتوا وإعراضا من موافقته انتقم منه بعد ذلك ، قال تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٤) ثم إن الله تعالى قد يغضب فى حق خلقه بما لا يغضب فى حق نفسه ، وينتقم لعباده ما لا ينتقم لنفسه فى خالص حقه.
__________________
(١) المنتقم : هو الّذي يقصم ظهور العتاة وينكل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة ، وذلك بعد الإعذار والإنذار ، وبعد التمكين والإمهال ، وهو أشد للانتقام من المعاجلة بالعقوبة ، فإنه إذا عوجل بالعقوبة لمن يمعن فى المعصية ، فلم يستوجب غاية النكال فى العقوبة.
(٢) البروج : ٨.
(٣) المائدة : ٥٩.
(٤) النحل : ١١٢.