فصل : العز فى طاعة الله تعالى :
وإذا عرف أنه المعز لم يطلب العز إلا منه ، ولا يكون العز إلا فى طاعته سبحانه.
وقال ذو النون المصرى : لو أراد الخلق أن يثبتوا لأحد عزا فوق ما يثبته اليسير من طاعته لم يقدروا ، ولو اجتمع الخلق على أن يوجبوا لأحد ذلا أكثر مما يوجبه اليسير من ذلته ومخالفته لم يقدروا.
وقد حكى أن رجلا أمر بالمعروف هارون الرشيد فحنق عليه ، وكانت له بغلة سيئة الخلق ، فقال : اربطوه معها تقتله برمحها ، ففعلوا ذلك فلم تضره ، فقالوا : اطرحوه فى بيت وطينوا عليه الباب ففعلوا ، فرئى فى بستان وباب البيت مسدود ، فأخبر هارون بذلك ، فأتى بالرجل وقال : من أخرجك من البيت؟ فقال : الّذي أدخلني البستان ، فقال : ومن أدخلك البستان؟ قال : الّذي أخرجنى من البيت ، فقال : أركبوه دابة وطوفوا به البلد وليقل قائل : ألا إن هارون أراد أن يذل عبدا أعزه الله فلم يقدر.
وحكى عن بعضهم أنه قال : رأيت رجلا فى الطواف وبين يديه شاكرية ، أى خدم.
قال القاموس : والشاكرى : الأجير ، والمستخدم معرب چاكر. انتهى.
والخدم يطردون الناس عنه ، فبعد ذلك بمدة رأيت إنسانا يتكفف على جسر بغداد ويسأل شيئا ، قال : فكنت أنظر إليه وشبهته بذلك الرجل ، فقال : إيش تنظر؟ فقلت : شبهتك برجل رأيته فى الطواف من شأنه كذا وكذا ، فقال : أنا ذاك الرجل ، إنى تكبرت فى موضع يتواضع الناس فيه فوضعنى الله فى موضع