باب
فى معنى «هو» (١)
اعلم أن «هو» اسم موضوع للإشارة ، وهو عند الصوفية إخبار عند نهاية التحقيق ، وهو يحتاج عند أهل الظاهر إلى صلة تعينه ليكون الكلام مفيدا ، لأنك إذا قلت : «هو» ثم سكت فلا يكون الكلام مفيدا حتى تقول : هو قائم أو قاعد ، أو هو حي أو ميت وما أشبه ذلك (٢).
فأما عند القوم فإذا قلت : هو فلا يسبق إلى قلوبهم غير ذكر الحق ،
__________________
(١) هذا اسم له هيبة عظيمة عند أرباب المكاشفات ، واعلم أن الألفاظ قسمان : مظهرة ومضمرة ، أما المظهرة فهى الألفاظ الدالة على الماهيات المخصوصة كالسواد والبياض والحجر والمدر ، وأما المضمرات فهى الألفاظ الدالة على المتكلم أو المخاطب أو الغائب من غير أن تكون دالة على خصوصية ماهية ذلك الشيء ، وهى ثلاثة : أنا وأنت وهو ، وأعرفها أنا ثم أنت ثم هو ، والدليل على صحة هذا الترتيب أن تصورى لنفسى من حيث إنى أنا لا يتطرق إليه الاشتباه ، فإن من المحال أن أصير مشتبها بغيرى فى عقلى أو يشتبه غيرى فى عقلى ، بخلاف هو ، فإنه قد يشتبه بغيره وغيره يشتبه به ، وأما أنت فلا شك أنه أعرف من هو ، لأن الحاضر أعرف من الغائب ، فالحاصل أن أعرف المضمرات هو قولنا : أنا ، وأشدها بعدا عن العرفان هو قولنا هو ، وأما أنت فكالمتوسط بينهما ، والتأمل التام يكشف عن صدق ما ذكرناه ، وهو جل جلاله بعيد بعزته وقدرته وسائر أوصافه التى لا يستطيع القرب منها مخلوق من مخلوقاته تعالى.
(٢) إن الأسماء المشتقة دالة على الصفات ، ولفظ هو دال على الموصوف ، والموصوف أشرف من الصفة ، ولذلك قال المحققون : إن ذاته ما كملت بالصفات ، بل ذاته لغاية الكمال استلزمت صفات الكمال ، فلفظ هو يوصلك إلى ينبوع العزة والرحمة والعلو ، وسائر الألفاظ يوصلك إلى الصفات.