ويكون الحق فى وصفه سبحانه بمعنى يحق الحق ، والحق المفيد فى وصف غيره يكون بمعنى ما يحسن فعله ويصح اعتقاده ويجوز النطق به ، يقال : هذا فعل حق ، وهذا القول حق وهذا الاعتقاد حق ، وعكسه الباطل المطلق ، يكون بمعنى المعدوم ، ويقال فى اللغة : حققت الشيء وأحققته فهو حق ، ويقال : حق لك أن تقول كذا ، وحق عليك أن يفعل لك الحق ، وحقيق لك ، فيكون حقيقا فعيلا بمعنى الفاعل ويكون بمعنى المفعول.
وأما الحق والحقيقة فى صفات الخلق فى اصطلاح هذه الطائفة فيعنون بالحق ما يعود إلى الحقائق وأوصاف القلوب من المعارف ، ويعنون بالحقيقة المعاملات والمنازلات ، وإنما أخذوا هذا الاصطلاح من خبر حارثة حيث قال له صلىاللهعليهوسلم : «لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟» قال : أسهرت ليلى وأظمأت نهارى ... فأشار بالحقيقة إلى المعاملات فى سهر الليل وظمأ النهار.
سمعت الدقاق ، رحمهالله تعالى ، يقول : سمعت العباس الزوزنى الزاهد يقول : كنت فى ابتداء أمرى أسافر وعليّ مسح وفى عنقى غل ، فدخلت ديرا للنصارى بالشام ، فوصف لى فيه امرأة مجتهدة ، فأردت أن ألقاها فرأيتها كالخلال دقة ونحافة لكثرة الاجتهاد فى طول الجوع والخلوة ، فقلت لها : ما أحسن هذا الجهد لو كان فى حق ، فقالت : إن لم يكن هذا فى حق فإنه حقيقة ، فأنت تدعى الحق فأين الحقيقة؟ تعنى الجهد والمعاملة ، قال : ولم تكن لى تلك المعاملة فخجلت.
فصل : اسمه الحق أكثر ما يجرى على لسان السادة الصوفية :
وأكثر ما يجرى على لسان هذه الطائفة من أسمائه تعالى : الحق ، وذلك لما ذكرنا أن الحق هو الموجود ، لأن القوم ارتقوا من شهود الأفعال إلى شهود الصفات ، ثم من شهود الصفات إلى شهود الذات ، وكما أن العلماء