فقال الرجل : نسألك عن آية من كتاب الله تعالى فتجيبنى ببيت شعر؟ فقال له سمنون : من أى بلد أنت؟ فقال : من الجبل ، فقال له : من الذين هم فى الناس كالكرات فى البقل؟ لم أجبك ببيت لقصورى فى الجواب ، ولكن أردت أن أبين لك أن فى أقل القليل أدل دليل على ما سألت بخليته إياهم مع مكرهم مكره بهم.
فمن علم أنه العدل لم يستقبح منه موجودا ، ولم يستثقل منه حكما ، بل يستقبل حكمه بالرضا ويصبر تحت بلاياه بغير شكوى ، ولم يضق بتحمل بلاياه قلبا ، ووسع بمقاساة مفاجآت تقديره صدرا.
يحكى عن أبى عثمان المغربى أنه قال : قلوب العارفين أفواهها فاغرة لمفاجأة القدر.
فصل : لا تبديل لحكم الله تعالى :
واعلم أن الله تعالى حكم فى الأزل لعباده بما شاء ، فمنهم شقى وسعيد ، وقريب وبعيد ، فمن حكم له بالشقاوة لا يسعد أبدا ، ومن حكم له بالسعادة لا يشقى أبدا ، ولذا قالوا : من أقصته السوابق لم يدنه الوسائل ، وقالوا : من قعد به جده لم ينهض به جده ، وقيل : إذا كان الرضا والغضب صفة أزلية فما تنفع الأكمام المقصرة والأقدام المورمة والوجوه المصفرة ، وقيل : إن بعض الأكابر كان قاعدا فمر به تابوت يهودى أوصى بأن يدفن فى بيت المقدس ، فقال ذلك الشيخ : أيكابرون الأزل ، أما علم هؤلاء أنهم لو دفنوا هذا فى فراديس العلاء لجاءت لظى بأنكالها وحملته إلى نفسها.
وكان الدقاق ، رحمهالله ، كثيرا ما ينشد :
ما حيلتى تفعل الأقدار ما أمرت |
|
والناس من بين ذى غى وذى رشد |