وقد روى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليهالسلام أن حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عنى محجوبة.
وحكى عن إبراهيم بن شيبان أنه قال : كنت بحلب واشتهيت شبعة من الخبز والعدس ، فاتفق ذلك فأكلت حتى شبعت ، فرأيت على باب المسجد حانوت خمار عليه قوارير معلقة تشبه أنموذجات فتوهمتها خلا ، فقال لى قائل : ما لك تنظر إليها! إنها خمر ، فقلت : لزمنى فرض ، فدخلت الحانوت فلم أزل أصب دنانا حتى أتيت على الجميع ، فأخذونى وضربونى مائتى خشبة وطرحونى فى السجن أربعة أشهر ، حتى دخل أستاذى أبو عبد الله المغربى البلد فسمع بحالى فتشفع فىّ ، فلما وقع بصره عليّ قال : ما شأنك؟ قلت : شبعة خبز وعدس وضرب مائتى خشبة وسجن أربعة أشهر ، فقال : نجوت مجانا إذ وردت عقوبة هذه الأكلة على ظاهرك ولم تقدح فيما كنت به من أسر أمرك ، فكان ذلك رفقا من الله بك ونجاة ولطفا.
وما أصدق ما قال ، فإن من أدب فى دنياه فيما يتعاطاه من متابعة هواه فقد خفف عنه فى عقباه ، بل طهر بالتأديب جوهره ومعناه.
وقد حكى عن إبراهيم الخواص : أنه قال : كنت عقدت أن لا آكل شيئا من الشهوات إلا الرمان ، فاجتزت برجل به علة شديدة ، وإذا الزنابير تقع عليه وتأخذ من لحمه، فسلمت عليه فقال : وعليك السلام يا إبراهيم ، وعرفنى من غير تقدمة معرفة ، فقلت له: أرى لك حالا مع الله ، فلو دعوت الله حتى يخلصك من هذه الزنابير ، فقال : وأرى لك حالا مع الله يا إبراهيم ، فلو دعوت الله حتى يخلصك من شهوة الرمان ، فإن لسع الزنابير على النفوس أهون من لدغ الشهوات على القلوب.