ويحكى عن أبى سعيد الخراز أنه قال : خرجت وقتا فى البادية ، وكنت جائعا ، فدخلت الكوفة ، وكان لى بها صديق يقال له : الحوارى ، وكان يضيفنى إذا دخلت الكوفة ، فأتيت حانوته فوجدته غائبا ، فدخلت مسجدا بقرب حانوته أنتظر رجوعه ، وقلت : بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين ، وسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين المتوكلين ، وقعدت مستندا إلى اسطوانة أنتظر الحوارى ، قال : فدخل داخل فقال : الحمد لله رب العالمين ، وسبحان من أخلى الأرض من المتوكلين ، وسلام علينا وعلى جميع الكذابين ، يا أبا سعيد ، يا مدعى التوكل فى الصحارى والبرارى ، ليس التوكل الجلوس على البوارى ، تنتظر الحوارى ، قال فالتفت فلم أجد أحدا.
وهكذا سنة الله مع خواص عباده ، لا يسامحهم فى خطرة ولا يتجاوز عنهم فى لحظة ، يطالبهم بالكبير والصغير ، ويضايقهم بالنفير والقطير ، وأما الذين خست رتبتهم وقلّت قيمتهم فيذرهم بإمهاله يغترون وفى غفلاتهم ينهمكون ، حتى إذا أخذهم بغتة أهلكهم مرة ، نعوذ بالله من ذلك.