الآفات والنقائص بريا ولا يقال فى وصفه كبر يكبر ، ومن علوه وكبريائه أنه لا يصير بتكبير العباد له كبيرا ، أو بإجلالهم له جليلا ، بل من وفقه لإجلاله فبتوفيقه أجلّه ، ومن أيده لتكبيره وتعظيمه فقد رفع محله ، لا يلحقه نقص فينجز ذلك بتعظيم المخلوقين ، ولا ينزل بساحته وهن فينتفى ذلك بتوحيد عبادة العابدين ، فهو العزيز الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يتوجه عليه سنة ولا يوم ، ومن حق من عرف عظمته أن يذل لحقه ويتواضع بين خلقه فإن من تذلل لله فى نفسه رفع الله قدره على أبناء جنسه.
وقيل فى بعض القصص : إن الله تعالى أوحى إلى موسى عليهالسلام فقال له : تدرى لم رزقتك النبوة؟ فقال : يا رب أنت أعلم به ، فقال له : تذكر اليوم الّذي كنت ترعى الغنم بالموضع الفلانى فندت شاة فعدوت خلفها ، فلما لحقتها لم تضربها وقلت : لا يا مسكينة ، أتعبتني وأتعبت نفسك ، فحين رأيت منك تلك الشفقة على ذلك الحيوان رزقتك النبوة (١).
وقيل فى بعض القصص : إن الله تعالى أوحى إلى موسى عليهالسلام أن يأتى الجبل ليسمعه كلامه عليه ، فتطاول كل جبل طمعا أن يكون محلا لموسى ، وتصاغر طور سينا فى نفسه وقال : متى أستحق أن أكون محلا لقدم موسى فى وقت المناجاة ، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام أن ائت إلى هذا الجبل المتواضع الّذي ليس يرى لنفسه استحقاقا.
وقد قيل : حقيقة الإجلال أن ترى الكل دونه بعين الإقلال ، فكما لا تثبت لنفسك قدرا ، فكذلك لا ترى للمخلوقين مع قدرته بالإضافة إلى علوه خطرا.
__________________
(١) وإن كان الله عالما بما سيكون كما هو عالم بما كان.