إحساس وحتى يفنى عن فنائه ، قال الله سبحانه : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) (١) ، وحكى أن رجلا دق الباب على أبى يزيد فقال : إيش تريد؟ فقال : أبا يزيد ، فقال : ليس فى الدار أبو يزيد ، وحكى أن رجلا قال للشبلى : أين الشبلى؟ فقال : مات ، لا رحمهالله.
وقيل : إن ذا النون المصرى بعث رجلا يتعرف له أحوال أبى يزيد البسطامى ويصفها له ، لما تناهى إليه أخباره ، فحضر الرجل بسطام واستدل على أبى يزيد فدل عليه وهو فى مسجده ، فدخل عليه وسلم ، فقال : إيش تريد؟ فقال : أريد أبا يزيد ، فقال أبو يزيد : أين أبو يزيد؟ أنا فى طلب أبى يزيد ، فقال الرجل فى نفسه : هذا مجنون ، لقد ضاع سفرى ، فرجع إلى ذى النون ووصف له ما رأى وسمع ، فبكى ذو النون وقال : أخى أبو يزيد ذهب فى الذاهبين فى الله.
سمعت الشيخ أبا على الدقاق يقول فى قوله تعالى مخبرا عن إبراهيم : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٢) قال : كان ذاهبا فى الله فلهذا صار ذاهبا إلى الله ، فذهابه فى الله أوجب ذهابه إلى الله تعالى.
واعلم أن هذه الألفاظ توهم ظواهرها ، وإنما يقف على معانيها ومرمى القوم فيها من جمع بين حقائق الأصول وبين شيء من علوم هذه الطائفة ، وتحقق ولو بشظية من معانيه ، وإلا وقع فى الاعتراض على السادة ، ونعوذ بالله من تلك العقوبة.
__________________
(١) الكهف : ١٨.
(٢) الصافات : ٩٩.