ومن التّأمّل في هذه الآيات وغيرها ممّا مرّ يظهر أنّه لا يجدي جعل السّمع عبارة عن القوّة والأذن عبارة عن الجارحة او العكس ، ولأكون أحدهما من الحواس الظّاهرة والآخر من الباطنة ، بل الأولى ما سمعت ويؤيّده ما في «القاموس» قال : السّمع حسّ الأذن والأذن إلى أن قال : ويكون للواحد والجمع آه.
إلى غير ذلك ممّا يستفاد منه انّ السّمع دلّ على ذلك فلا يقاس عليه غيره حتّى الأذن ، نعم إذا كان بمعنى المقابل لما يقال له كان للواحد والجمع كالسّمع كما أنّه قد دلّ على تأنيث الأذن فلا يقاس عليه السّمع.
والغشاوة والغشوة بالتّثليث فيهما هو الغطاء وكذا الغشاء بالكسر.
قال في «المصباح» : هو اسم من غشّيت الشّيء بالتثقيل إذا غطيته ويقال : إنّ هذا البناء وهو فعالة لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة والقلادة ، وكذلك كلّ ما استولى على شيء فان اسم ما استولى عليه الفعالة كالإمارة والخلافة إمّا تسمية أسماء الصّناعات بها كالخياطة والنّساجة والقصارة فلما في معنى الصّناعة من الحياطة الحاصلة بالمزاولة وحصول الملكة.
و (عَلى سَمْعِهِمْ) وإن احتمل اتّصاله بما قبله وبما بعده إلّا أنّ الأوّل أولى ، فيكون معطوفا على قلوبهم للتخلّص عن مخالفة الأصل من تقديم ما حقّه التّأخير وحذف المبتدا على وجه ، ولما يأتي عن الإمام عليهالسلام في تفسيره لمعنى الختم حسبما تسمع ، وللوقف عليه اتفاقا على ما قيل ، ولقوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) (١).
ولأنّ القلب والسّمع لمّا اشتركا في الإدراك من جميع الجهات جعل ما يمنعهما من فعلهما الختم المانع من جميع الجهات بخلاف الأبصار الّتي إدراكها
__________________
(١) الجاثية : ٢٣.