يحصل الفسق بلا فرق بين كونه من الأصول الاعتقادية أو النوع العمليّة بترك الطّاعة أو فعل المعصية كما يشهد بجميع ذلك الإطلاقات الواردة في الكتاب والسّنة إلّا أنّه قد غلب إطلاقه عند الفقهاء في مقابلة العدالة فيحصل بفعل شيء من الكبائر أو الإصرار على الصغائر ، وإن بقي معه اسم الايمان حسبما هو المقرّر عندنا خلافا للخوارج حيث قالوا إنّ أصحاب الكبائر من أهل القبلة كفّار مشركون ، وللمعتزلة القائلين بأنّهم في منزلة بين الإيمان والكفر لا يستحقون اسم الايمان ولا الكفر ، وبه سمّيت المعتزلة لاعتزالهم فئتي الضلالة عندهم أهل السّنة القائلين بايمانهم ، والخوارج القائلين بكفرهم ، أو سماهم به الحسن البصري (١) لمّا اعتزله واصل بن عطاء (٢) وكان من تلامذته واجتمع هو وأصحابه إلى اسطوانة من أسطوانات المسجد وشرع يقرّر للقول بالمنزلة بين المنزلتين وانّ صاحب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر بل بين المنزلتين فقال الحسن اعتزل عنّا واصل ، ولأنّ عمرو بن عبيد كان من أصحاب الحسن وتلاميذه ، فجمع الحسن بينه وبين واصل ليناظره في ذلك فلمّا ناظره وغلب عليه واصل قال له عمرو بن عبيد (٣) ما بين وبين الحق عداوة والقول قولك فليشهد عليّ من حضرني أنّي قد اعتزلت مذهب الحسن في هذا الباب قائل بقول واصل.
وكيفيّة مناظرتهما مذكورة في «الغرر والدرر» (٤) للسيّد المرتضى رضى الله عنه وللسيّد
__________________
(١) الحسن بن ابي الحسن البصري أبو سعيد توفي سنة (١١٠) ه ـ العبر ج ١ ص ١٣٦.
(٢) واصل بن عطاء المبلغ الأفوه ابو حذيفة المخزومي البصري توفي سنة (١٣١) ه وكان رأسا للمعتزلة.
سير أعلام النبلاء ج ٥ ص ٤٦٤.
(٣) عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري المعتزلي توفي سنة (١٤٣) ه أو قبلها.
التقريب ج ١ ص ٧٤٠.
(٤) الغرر والدرر المشهور بالأمالي ج ١ ص ١١٣ المجلس ١١.