أبيض له منقار أحمر ، فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به ، فيطير الطائر حتّى يقع في جام ماء الورد فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه ، ثمّ يصفر به الثانية ، فيطير الطائر على تاج الملك ، فينفض ما في ريشه وجناحه على رأس الملك.
فلمّا نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبّر فادّعى الربوبيّة من دون الله ، ودعا إلى ذلك وجوه قومه ، فكلّ من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه ، وكلّ من لم يبايعه (١) قتله ؛ فاستجابوا له رأسا ، واتّخذ لهم عيدا في كلّ سنة مرّة.
فبينما (٢) هم ذات يوم في عيد ، والبطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ، إذ أتاه بطريق ، فأخبره أنّ عساكر الفرس قد غشيته فاغتمّ لذلك حتّى سقط التاج عن ناصيته (٣) ، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له : تمليخا وكان غلاما ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتمّ ولا يفزع ، وما كان يبول ولا يتغوّط ، وما كان ينام ، وليس هذا من فعل الإله.
قال : وكان الفتية الستّة كلّ يوم عند أحدهم ، وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا ، فاتّخذ لهم من أطيب الطعام (٤) ، ثمّ قال لهم : يا إخوتاه قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام والشراب والمنام ، قالوا : وما ذاك يا تمليخا؟
قال : أطلت فكري في هذه السماء ، فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان؟ ومن زيّنها بالنجوم؟ ثمّ أطلت الفكر في الأرض فقلت : من سطحها على صميم الماء الزخّار؟
__________________
(١) في «ر» «س» : (يتابعه).
(٢) في «ر» «س» «ص» : (فبينا).
(٣) في البحار : (رأسه).
(٤) في «ر» «س» : (طعاما طيّبا) ، وفي «ص» : (طيب الطعام).