ومن حبسها بالجبال أن تميد على كلّ شيء؟ وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا من بطن أمّي؟ ومن غذّاني؟ ومن ربّاني؟ إنّ (١) لها صانعا ومدبّرا غير دقيوس الملك ، وما هو إلّا ملك الملوك وجبّار السماوات.
فانكبت الفتية على رجليه يقبّلونهما (٢) ، وقالوا : بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى ، فأشر علينا ، قال : فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصرّها في ردنه (٣) ، وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلمّا ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا : يا إخوتاه ، جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم ، لعلّ الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا ، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم ، فجعلت أرجلهم تقطر دما.
قال : فاستقبلهم راع ، فقالوا : يا أيّها الراعي ، هل من شربة لبن أو ماء؟ فقال الراعي : عندي ما تحبّون ، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنّكم إلّا هرابا من دقيوس الملك.
قالوا : يا أيّها الراعي ، لا يحلّ لنا الكذب ، أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصّتهم ، فانكبّ الراعي على أرجلهم يقبّلها ، ويقول : يا قوم ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن أمهلوني حتّى أردّ الأغنام على أربابها ، وألحق بكم ، فتوقفّوا له ، فردّ الأغنام وأقبل يسعى فتبعه (٤) كلب له.
__________________
(١) في «ر» «س» : (إذ).
(٢) في «ر» «س» «ص» : (يقبّلونها).
(٣) قال في الإفصاح ١ : ٣٨٠ : الرّدن : أسفل الكمّ وقيل : مقدّمه والجمع أردان ، انظر : ترتيب كتاب العين ١ : ٦٧١.
(٤) في «ر» «س» «ص» : (يتبعه).